مزارعو “سنبطا” يتغلبون على الفيضانات وينجحون في الزراعة!

 

 

عمر حاجي

 

تعرف “سنبطا” قبلي الواقعة في مركز وايرا  ديجو بمنطقة حلابا بإقليم وسط إثيوبيا بالفيضات، ويتذكر المزارعون  انه  عندما كان يهطل المطر يحدث فيضان يغمر المنطقة بأكملها  و يضطر  الناس إلى مغادرة منازلهم كل عام لإنقاذ عائلتهم وأنفسهم. بالإضافة إلى أن انتظار المساعدات كانت دائما أحداث لا مفر منها. لكن تغيرت هذه القصة الآن، ولا أحد يغادر قريته بسبب الفيضان، ولا توجد هناك حاجة الي تقديم المساعدات. بل بدلاً من ذلك، يقوم أهل “سنبطا” بزراعة حقولهم وحراثة حدائقهم من الفجر حتى الغسق، ويعتنون بما زرعوه، ويقومون بجمع الإنتاج الذي وصل. ويخرجون إلى الأسواق. وهذا هو عملهم الروتيني اليومي الذي يميزهم.

وفي هذا الصدد، ذكر السيد جرمو محمد أحد سكان “سنبطا” قبلي بمنطقة حلابا، أن هذه المنطقة كانت تواجه في الماضي تحديات كبيرة بسبب الفيضانات المتكررة، مما جعلها من الصعب ممارسة الزراعة، والمجتمع الذي يقيم في هذه المنطقة كان في الماضي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية بسبب الفيضانات المستمرة والمدمرة التي تجتاح المنطقة. وقد أدى تكرار حدوث هذه الفيضانات شديدة التدمير إلى جعل الأراضي غير صالحة للزراعة، مما حرم السكان من إمكانية إعالة أنفسهم من خلال الزراعة أو غيرها، وفقد عديد من الآباء أطفالهم بسبب الأمراض الوبائية التي حدثت بعد الفيضان، وكانت عملية العلاج مرتفعة. ولم يكن أمام المجتمع خيار سوى الاعتماد على المساعدات الخارجية كمصدر أساسي للدعم وسبل العيش.

ولم تؤدي الحاجة المستمرة إلى مساعدة خارجية عن إكتفائهم الذاتي فحسب، بل حدت قدرتهم على تنمية طويلة الأجل لحلول صعوبات كانوا يواجهونها، مشيرا إلى أنه بسبب التحديات التي واجهتها والاعتماد على المساعدات الخارجية، اتخذ المجتمع قرارا صعبا للنزوح والهجرة إلى أماكن أخرى بحثا عن ظروف معيشية أكثر استقرارا. ولكن بدعم من مكتب الزراعة والخبراء ومع توافر موارد المياه الجوفية، بدأ المجتمع في الري الصيفي بالتركيز على زراعة المحاصيل مثل الموز والمانجو والأفوكادو والبابايا ومجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات الأخرى، وأن هذا التحول بممارسة الزراعة سمح لهم بالاستفادة المثلى من الموارد المتاحة والتغلب على التحديات التي يتعرضونها من الفيضانات.

وقال: إن المزارع الذي لديه  10 شجر من الموز يحصل على سبعة آلاف بر، موضحا بأن الفوائد ليست تنافسية على الإطلاق فحسب، بل قام معظم المزارعين بتحويل بيوتهم العشبية إلى منازل حديثة من الصفيح مع زيادة دخلهم. وأنهم قاموا بتحسين نمط حياتهم. وفي الوقت الحاضر، يتخطى المزارعون عن حدود أنفسهم إلى جيرانهم، ويجعلون منتجاتهم في متناول الجميع في منطقة كل من شنو، وحلابا، وسلطي، وسانكورا، وورابي، وبوتاجرا، ومناطق أخرى. وخاصة في السنة المالية 2016، بدأوا في إنتاج الملفوف والطماطم على نطاق واسع وإرسالها إلى أديس أبابا.

وفي هذا السياق، قال نائب رئيس مركز وييرا ديجو بحلابا ومسئول مكتب الزراعة، السيد جبنا سمان” إن سبعة من أصل 26 قبلي في المنطقة تضررت بشدة من الفيضانات. ولمواجهة هذا التحدي، تم التعاون مع قادة وخبراء إقليميين لإجراء أبحاث حول كيفية منع هذه الفيضانات، وزراعة أفضل المحاصيل التي يمكن زراعتها في المناطق المعرضة للفيضانات. وركزوا على تنفيذ تقنيات الري الصيفي وزراعة محاصيل الخضروات المختلفة. كما قام الخبراء الزراعيون بتزويد المجتمع بالبذور المحسنة ورفعوا وعي المجتمع للتغلب على هذه المشكلات. وقال: إن نقطة التحول جاءت عندما تم تقديم مبادرة 30-40-30 في المنطقة في إطار مبادرة الاكتفاء الذاتي الغذائي على مستوى البلاد والتي تسمى بـ “ثمار تنمية”.

وبإدراك هذه المبادرة  نظم المجتمع في “سنبطا” قبلي أنفسهم في جمعية وبدأوا العمل من أجل التنمية والتقدم، ونتيجة لجهودهم الجماعية حقق المجتمع المحلي الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء. وقد تمكن المجتمع من إنتاج وفيرة من الفواكه ومجموعة متنوعة من المواد الغذائية، مما أدى إلى اتباع نظام غذائي متوازن لأطفالهم، وتحسين الوصول إلى الطعام المغذي الذي كان له أثر إيجابي على صحة ورفاهية المجتمع. وبهذا، أن زيادة توافر الفواكه والخضروات الطازجة سهلت عليهم الحفاظ على صحة جيدة. وكان للنظام الغذائي المحسن للمجتمع تأثير إيجابي على رفاهيتهم بشكل عام، مما ساهم في صحتهم الجسدية والعقلية.

علاوة على ذلك، فإنه من المهم ليس الحفاظ على الأمن الغذائي فقط، بل حماية التنوع البيولوجي في الإقليم أيضا. وتعد الحراجة الزراعية عنصرًا مهمًا آخر في المزارع المتكاملة في الإقليم. حيث يقوم المزارعون بزراعة الأشجار والشجيرات بشكل استراتيجي جنبًا إلى جنب مع المحاصيل والماشية لإنشاء نظام متعدد الطبقات. وتوفر الأشجار الظل، وتحسن بنية التربة، وتحافظ على المياه، وتقدم منتجات إضافية مثل الفواكه والأخشاب والأعلاف. وهذا التكامل بين الأشجار والأنشطة الزراعية الأخرى يعزز التنوع البيولوجي، ويخفف من تغير المناخ، ويعزز الاستدامة الشاملة للنظام الزراعي.

وقال السيد جبنا: إن مزارعو الإقليم يتبنى نهجا شاملا لمكافحة الآفات والأمراض، بالاعتماد على مزيج من الممارسات الثقافية، وعوامل المكافحة البيولوجية، والحد الأدنى من استخدام المبيدات الحشرية الكيميائية. على سبيل المثال، يتم تنفيذ تناوب المحاصيل، والزراعة البينية، وزراعة أصناف المحاصيل المقاومة للآفات لتقليل ضغط الآفات والحفاظ على صحة المحاصيل بشكل طبيعي. علاوة على ذلك، غالبًا ما تعطي المزارع المتكاملة الأولوية لأساليب الزراعة المستدامة والعضوية. ويقلل المزارعون من استخدام الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية، ويختارون بدلا من ذلك المدخلات العضوية وطرق مكافحة البيولوجية. وهذا النهج لا يقلل من الأثر البيئي للزراعة فحسب، بل يعزز أيضًا جودة المنتجات الزراعية وسلامتها، ويلبي الطلب المتزايد على المنتجات العضوية في الأسواق المحلية والدولية.

كما أوضح السيد إندشاو طاسو رئيس الإقليم بأن المجتمع في منطقة “سنبطا”، كان يعتمد على المساعدات منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. مؤكدا على أن المجتمع ينخرط الآن بنشاط في زراعة متكاملة، مما يؤشر إلى تحول إيجابي نحو الإكتفاء الذاتي. كما ذكر، أن المجتمع واجه قبل سنوات تحدي الفيضانات الموسمية، مما اضطرهم للهجرة إلى مناطق أخرى. واعتمدوا الآن تدابير بديلة من خلال استخدام المياه الجوفية للري الصيفي، ومكنهم ذلك من زراعة المحاصيل باستمرار وتحقيق الدخل عن طريق بيع منتجاتهم إلى المناطق المجاورة بأسعار معقولة، مضيفا إلى أن المزارع الزراعة المتكاملة في الإقليم الوسطى من إثيوبيا تكتسب مكانة بارزة باعتبارها نهجًا مستدامًا وفعالاً للزراعة. حيث تهدف هذه الزراعة إلى زيادة الإنتاجية إلى أقصى حد وتحسين استخدام الموارد من خلال دمج الممارسات والمكونات الزراعية المختلفة بنظام متماسك.

والمبدأ الرئيسي للمزارع المتكاملة هو التنويع. ويقوم المزارعون في الإقليم بدمج مكونات متعددة في أنظمتهم الزراعية، مثل المحاصيل والمواشي، والحراجة الزراعية، ويسمح هذا التنويع بالاستخدام الأمثل للموارد، حيث يمكن استخدام المدخلات من أحد المكونات لدعم وتعزيز إنتاجية العناصر الأخرى. على سبيل المثال، يضمن تكامل المحاصيل والمواشي لوجود نظام دورة المغذيات. ويمكن استخدام مخلفات المحاصيل ومنتجاتها الثانوية كعلف للمواشي، في حين يعمل السماد الحيواني كسماد عضوي للمحاصيل. كما يقلل نظام الحلقة المغلقة هذا من الاعتماد على المدخلات الخارجية ويعزز خصوبة التربة، مما يؤدي إلى إنتاج زراعي مستدام وسهل.

وذكر السيد إندشاو استراتيجية زراعية لطموحة المزارعين في الإقليم، أن المزارعين يعملون على تطبيق مبادرة 30-40-30. وأدى هذا النهج التدريجي إلى إنتاج إجمالي 100 نوع مختلف من الفواكه في إطار زمني مدته ثلاث سنوات، مضيفا إلى أنه في غضون أربع أو خمس سنوات لن يتمكن المجتمع المحلي من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء فحسب، بل سيعمل أيضًا على استقرار تكاليف معيشته من خلال توفير فائض إنتاجه للمجتمعات المجاورة له.

وبشكل عام، فإن تحول مجتمع “سنبطا” نحو زراعة متكاملة وممارسات زراعية مستدامة مكنتهم على تغيير سبل عيشهم من خلال تسخير المياه الجوفية لأغراض الري وتنويع إنتاج محاصيلهم، وأصبحوا تدريجياً مكتفين ذاتياً بل يساهمون في الاستقرار الاقتصادي للمجتمعات المجاورة. كما أن تركيز الإقليم على الزراعة المتكاملة يعد خطوة جديرة بالثناء نحو الاستدامة والازدهار على المدى الطويل من خلال مواجهة التحديات التي يواجهها المزارعون.

 

 

 

 

 

 

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai