اهتمام إثيوبيا بالوصول إلى البحر يتجاوز الفوائد الاقتصادية

جوهرأحمد

يعتقد العديد من الباحثين أن سعي إثيوبيا إلى الوصول إلى البحر ليس مجرد طموح جغرافي بل إنه صراع عميق من أجل الهوية والانتماء في عالم يهمش  البلدان  الحبيسة . وبعد مذكرة التفاهم مع أرض الصومال بحكم الأمر الواقع للوصول إلى البحر قبل عام، وارتفعت الحماسة إلى ما هو أبعد من طرق التجارة والنمو الاقتصادي , وترمز هذه المسيرة إلى نضال إثيوبيا ضد العزلة التاريخية  المفروضة  عليها ورغبتها في استعادة مكانتها الصحيحة داخل المجتمع العالمي.

وتتمتع القضية الاقتصادية بمكانة ملحوظة لأنها قضية حاسمة بالنسبة لدولة غير ساحلية. وتشارك البلدان النامية غير الساحلية مثل إثيوبيا في تجارة أقل بنسبة 30٪ في المتوسط، مقارنة بنظيراتها الساحلية، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بحوالي 1.5٪ أقل بسبب وضعها غير الساحلي. ويؤدى هذا الوضع إلى ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض عائدات التصدير، حيث تشكل تكاليف النقل تحديًا كبيرًا.

وتعتمد إثيوبيا بشكل كبير على جيبوتي بما يقرب من 80-90٪ من وارداتها وصادراتها، مما أدى إلى ارتفاع نفقات النقل. وفي عام 2023، واجهت البلاد تكلفة سنوية هائلة بلغت 1.6 مليار دولار أمريكي في رسوم الموانئ بسبب افتقارها إلى الوصول المباشر إلى البحر. وبالإضافة إلى ذلك، يكافح ميناء جيبوتي لمواكبة مطالب التجارة المتزايدة في إثيوبيا واقتصادها المتوسع بسرعة. وتشير الوثائق إلى أن قضايا مثل أوقات العبور الطويلة (بمتوسط ​​حوالي 50 يومًا)، وتكاليف اللوجستيات المرتفعة للواردات، وممارسات الجمارك غير المتسقة، والتأخيرات في الميناء، كلها تساهم في ارتفاع النفقات  والتكاليف للواردات.

وبتوقيع مذكرة التفاهم، ألقت إثيوبيا الكرة في الملعب العالمي ولهذا السبب ترددت الأصوات من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن إثيوبيا أعلنت مرارًا وتكرارًا أن مطالبها كان قائمًا على حسن النية و المنفعة المتبادلة ، إلا أن سعيها استقبل بردود فعل  معارضة وداعمة من كيانات مختلفة وفقًا لمصالحها. ووقفت إثيوبيا بحزم بشأن قضية الحصول على الوصول إلى البحر ولكن دون استخدام أي قوة؛ بل على أساس مبدأ العطاء والأخذ.

 وأن  سعي  إثيوبيا الوصول إلى البحر قد يكسب قلوب وعقول بعض الهيئات المعنية. ويمكن اعتبار إعلان أنقرة الصادر عن جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية الصومال الفيدرالية بتيسير من جمهورية تركيا شاهدًا حيًا على هذا النجاح.

وقد سمح الاجتماع، الذي استضافه فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس جمهورية تركيا، والذي عقد في 11 ديسمبر 2024 في أنقرة في جو ودي، بإجراء مناقشة صريحة وبناءة.

وأكد زعماء الصومال وإثيوبيا احترامهما والتزامهم بسيادة كل منهما ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، فضلاً عن المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي.

ونظرًا لأن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر يتجاوز طريق التجارة والتنمية الاقتصادية، فإنه يحمل أهمية كبيرة لسلام المنطقة واستقرارها والتفاعل السلس بين الشعوب. فالشعوب التي تعيش على حدود الجانبين لديها العديد من الأشياء المشتركة بما في ذلك اللغة والثقافة والعلاقات الاجتماعية والروابط الاقتصادية وغيرها. فهي لا تشترك  في الحدود فحسب، بل تشترك أيضًا في الدم والعرق واللغة والثقافة  التي يمتلكونها بحيث يصعب فصلهم.

ومن المثير للاهتمام أن زعماء البلدين اتفقوا، في إطار روح الصداقة والاحترام المتبادل، على التخلي عن الخلافات والقضايا الخلافية وتركها وراءهم والمضي قدمًا بطريقة تعاونية لتحقيق الرخاء المشترك. وكان ذلك بمثابة نبأ سار لأي محب للسلام كان قريبا أوبعيدا وخاصة لشعوب الدول التي توصلت إلى الاتفاق.

وأن الاتفاق يمنح البلدين الفرصة لتطوير مواردهما معًا لتحقيق المنفعة المتبادلة وتعزيز الصداقة بين الدولتين. وأن تعزيز السلام بين إثيوبيا والصومال أمر بالغ الأهمية لاستدامة السلام والأمن في دول القرن الأفريقي بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية المتكاملة.

وأن إثيوبيا، باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المنطقة إلى جانب اقتصادها المتنامي بسرعة، تحتاج إلى الوصول إلى البحر وهذا هو الواقع الذي يجب على الآخرين قبوله. وأن إبقاء مثل هذا البلد الكبير والسكان المكتظ بعيدًا عن الوصول إلى البحر ليس أمرًا غير معقول فحسب، بل إن العواقب قد تكون مضرة لدول الجوار نتيجة الهجرة غير الشرعية  . ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث إذا حرمت البلاد من العودة  إلى البحر و الوصول إليه سلميا وأُجبرت على البقاء دولة حبيسة.

وكما ورد فيما يتعلق بإعلان أنقرة، فمن المشجع أن البلدين اتفقا على العمل معًا بشكل وثيق لإتمام الترتيبات التجارية ذات المنفعة المتبادلة من خلال الاتفاقيات الثنائية، بما في ذلك العقد والإيجار والوسائل المماثلة، والتي ستسمح لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية بالتمتع بإمكانية الوصول الموثوقة والآمنة والمستدامة إلى البحر.

و لاشك أن تنفيد  الاتفاق على أرض الواقع في أقرب وقت ممكن  هو ما يتوقعه كل شخص حسن النية.

وعلى هذا فإن الطرفين لابد أن يتصرفا على هذا النحو . و أن التوقعات من قبل  الشعب الإثيوبي عالية بهذا الخصوص، ولذا فإن النبأ السار التالي الذي يتوق إليه الجميع هو كيفية تنفيذ الاتفاق والمدة التي يستغرقها.

Recommended For You

About the Author: Samaray Galagai