**الإنصياع للسلم ليس إنهزاما وإنما إنتصار للحقيقة
عمر حاجي
أديس أبابا (العلم) إن للسلام مفاهيم ومعان ومدلولات عديدة، وذلك تبعا للسياق الذي طرح فيه، فإن كلمة السلام تجعل أذهاننا أن نكون ضد الحرب، وضد الظلم، وضد الدمار والهلاك في الأنفس والنفيس.
في هذا الإطار أجرت صحيفة “العلم” حوارا مع الدكتور محمد حامي الدين عبد الصمد رئيس قناة الدعوة الفضائية وأمين عام لهيئة العلماء في المجلس الأعلى الفيدرالي للشئون الإسلامية الإثيوبي، وإليكم نص الحوار كالتالي:
العلم كيف تقيمون نتائج إتفاقية السلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تجراي في جنوب إفريقيا؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: إن السلام مطلب جميل في حياة الإنسان، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافا في بدنه، وعنده قوت يومه، فكأنما حازت له الدنيا). وهناك ثلاثة أشياء أهم للإنسان: الأمن في الوطن الذي يعيش فيه، الصحة في بدنه، والأمن الغذائي، فإذا توفرت هذه الأشياء الثلاثة فقد توفرت لدى الإنسان مقومات الحياة الأساسية.
وإذا إختل السلام لم يكن هناك شيئ، لا إقتصاد، ولا نماء، ولا إزدهار، إلا بوجود السلام. ولا صحة ولا عافية إلا بالسلام ، السلام مطلب في هذه الحياة. ولهذا، ينبغي أن يحرص عليه كل الناس، وفقا للحكومة الإثيوبية التي سعت لإحلال السلام وإستقرار الأمن في البلاد منذ اليوم الأول التي حاولت أن تعالج المشاكل بطريق سلمي، ولكن من لم يرضى هذا المسلك أثار الحرب، والحرب هو إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وزعزعة الأمن والإستقرار، لأن أي كسب يأتي بعد الحرب إلا بعد إهلاك الحرث والنسل.
ولذلك الذين أشعلوا الحرب لم ينتفعوا ما أثاروه من الحرب، بل تضرر الجميع ولم يتضرر طرف واحد، بل كل الأطراف سواء كان الذي يريد السلم أو أثار الحرب، إقتصاديا وفي جميع المجالات. وأن الجهود التي بذلت من أجل السلام كانت جهودا ينبغي أن تبذل، ويشكر الإتحاد الإفريقي، والذين قاموا فيه بالوساطة في هذه الجهد الحثيثة والعظيمة، لان تحقق السلام هو تحقيق الإزدهار والنماء، وفي ظله يتحقق كل شيئ.
العلم: لماذا تعتبر إتفاقية السلام إنتصارا لإثيوبيا؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: إن إنتصار المعارك هو إنتصار مؤقة قد تندلع الحرب، لكن عندما يتوصل إلى إتفاقية سلام حقيقية، وذلك أن لا حرب بعد ذلك. وإثيوبيا ليست بحاجة إلى حرب، بل أن أي دول في العالم ليست بحاجة إلى حرب، لان الحرب لا فائدة فيه بل كلها ضرر. في هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتمنوا لقاء العدو بل إسأل الله العافية) يعني الذي يتمنى الحرب ليس بعاقل. لذلك عندما تهدأ الحروب وتتوقف المشاكل تنمو إثيوبيا وتزدهر، وينتشر التعليم والثقافة والسياحة وتقارب الشعوب ، فالسلام هو المطلب الأساسي للحياة. وإثيوبيا انتصرت ليس من خلال الحرب فقط، بل إنتصرت بتحقيق السلم والأمن، وهذا يعتبر الإنتصار الحقيقي.
العلم: كيف يحافظ الإثيوبيون على السلام الذي تحقق مؤخرا؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: على الرغم من هذه المسأة تخص السياسيين، لكن أنا أقول: أن يحكموا صوت العقل، ويحكموا مصلحة المجتمع، بالأخذ بعين الإعتبار، من المتسفيد من الحرب ؟ ومن المتضرر؟ حيث إن ضعفاء الناس وفقراؤه هم الذين أكثر تضررا بهذه الحرب، ربما الذي يشعل الحرب: يختفي وراء شيئ ما! وهذا ضرر كبير للشعب، لذلك هم بالدرجة الأولى ينبغي أن يحافظوا على الأمن والإتفاقية التي تحققت. ولا يستفيد أي شعب من هذه الحرب، إلا من السلم والأمن والإستقرار، سواء كان شعب تجراي أو الشعوب الإثيوبية الأخرى بصورة عامة. لأن كل هذه الشعوب شعوب متلاقحة ومتشابكة ومتضامنة منذ زمن قديم.
لامصلحة في إشعال الفتنة بين هذه الشعوب الإثيوبية بالدرجة الأولى، وثانيا، على المثقفين أيضا الذين يعتبرون مفكرين أن يتكلموا عن السلام وترشيح السلام وأن يفكروا ويرسخوا قيم السلام والأمن والإستقرار بدلا من إشعال فتيل الحرب بين الشعوب، وعلى عامة الناس أيضا، وأن يكون كل إنسان حارسا للسلام، وأن يبعد نفسه أولا من إثارة البلبلة والفتنة والإقتتال، وثالثا، أن يسهم بتوعية من بجواره، لأن الحفاظ على الامن والسلام ليس بواجب الدولة أو جهة معينة فقط، بل واجب كل فرد، لكن تختلف درجات المسئولية. لان السياسيين تلتزمهم بالدرجة الأولى، المثقفون، ومن ثم عامة الناس من التجار والمزارعين والطلاب وكافة الناس. وينبغي أن يقف إلى جانب السلم والأمن ليكون حصنا حصينا يدافع عن السلم.
العلم: أثبتت إتفاقية السلام بأن الأفاقة يمكنهم حل مشاكلهم بأنفسهم كيف تقرأون أو تشرحون هذه الفقرة؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: إن حل المشاكل الإفريقية بإفريقا تعتبر من المواقف المحمودة من الحكومة الإثيوبية التي أصرت أن إفريقيا تستطيع حل مشاكلها بوسائلها الإفريقية ، هذا، هو الذي تحقق فعلا، لان الشعوب الإفريقية مصالح مشتركة ولها إتحاد إفريقي. وإذا لم يحقق الأمن والسلام بين المجتمعات أو الدول التي عضو في هذا الإتحاد فماذا ينفع ؟ وهذا من واجبه، وهو قادر بكوادره وثقافته ومهاراته وتطلعاته. ولكن هناك تطلعات خارجية أقوى من إفريقيا ماديا وسياسيا تريد أن تضرب عاداتها وثقافتها على إفريقيا وعلى غيرها أيضا. والآن قد إنتزعوا الأفارقة زمام المبادرة في المقام الذي يحتاج إلى أن ينتزعوا فيه. ولهذا، يعتبر نجاحا باهرا لإفريقيا أيضا وليس لإثيوبيا فقط. وهذا إن دل فإنما يدل على أن إفريقيا تستطيع حل مشاكلها بنفسها.
العلم: ما دور رجال الأديان في دفع عجلة السلام والإستقرار في البلاد؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: إن أهمية رجال الدين أو العلماء من جميع الأديان في المجتمع كبيرة ، وهم الذين يغرسون في أفراد المجتمع القيم الدينية ، حيث إن القيم الدينية كلها تدعو إلى السلم والأمان، ولكن الدين الإسلامي يبدأ باسمه حيث تستسلم بأمر الله سبحانه وتعالى وتطيعه ، كما أنه مشتق من السلم أصلا من السلام والأمن، ونحن المسلمون عندما نلتقي ما أخيه المسلم يبدأ السلام ، وحتى في الدعاء، اللهم أنت السلام ومنك السلام، ونبدأ الصلاة بالسلام ونختتمه بالسلام أيضا.
ولذلك، ينبغي من رجال الدين أن يكونوا بدعاة سلم وأمان كما يأمرهم دينهم، إذاكانوا على هذا المستوى واستطاعوا أن يغرسوا في أتباعهم قيم السلام والتعايش السلمي والتكاتف والتعاون لازم أن يكونوا سليما، وقد لا يكون بعض رجال الدين كذلك، ربما يكون وقودا لإشعال الفتنة الإياذ بالله ! فهذا، أخطأ طريقه ويجر الناس إلى الهاوية . فإن مجتمع إثيوبيا مجتمع متدين مهما كان دينه وأيا كان دينه وعقيدته، يحب الدين والتدين، وتثبت الدراسات التي أجريت في هذا الصدد، أن 93 % من مجتمع العالم ينتمي إلى الدين سواء كان الدين الإسلامي أو المسيحي أو المعتقدات الأخرى. فإن جميع هذه الديانات تدعوا إلى السلم، فإن المسيح عليه السلام دعى إلى السلم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى السلم، وعندنا حول السلم، قال تعالى: “فاجنح لها” وهذه القيم ينبغي أن تكون سائدة في مجتمع متدين يستطيع أن يتعاون ويتعايش، فدور رجال الدين حتى ليس ترسيخ قيم السلم فقط، وإنما نزع السلاح بين المتناحرين ومن بينهم الخلاف، وليس الذين خرجوا بحمل السلاح ، وليس الأحزاب والدولة فقط، بل حيث ما حلت الفتنة فإن رجال الدين هم القادرون على نزع فتيل الفتنة. ولذلك عليهم أن يقوموا بمسئوليتهم على الوجه المطلوب.
العلم: ماهي وصيتكم الأخيرة من المصالحة الوطنية ؟
سعادة الدكتور محمد حامي الدين: إن وصتي الأخيرة، ينبغي علينا أن نحافظ على ما تحقق من سلم، وأن يكون ذلك من مسئولية الجميع كل على مستوى مسئوليته، وأن لا تأخذ أحدا العزة بالإثم، لأن الناس عندما أخذ السلم فشياطين الإنس يقولون: إنك أسلمت، وزللت، وهزمت، لتأخذ العزت بالإثم. وهذا لا ينبغي، لأن الإنصياع للسلم ليس إنهزاما وإنما إنتصارا للحقيقة التي يحتاج إليها الجميع وهي السلام. من الذي لا يحتاج إلى السلام ؟ من الذي لايريد أن يخرج من بيته ويقضي نهاره في عمله بسلم ويعود إلى بيته بسلام ؟ من الذي يريد أن يصادفه بلاء في طريقه ؟.
ولذلك، الإنصياع للسلام إنتصار لكل الأطراف، الذين وقعوا على السلام إذا إلتزموا بهذا فهم شجاع وأبطال، يعني ماحققوه من خلال السلام فهو أفضل مما سيحققونه من خلال الحرب. لأن الحرب تعرف بداتها، لكن لا تعرف نهايتها وعواقبها. وأن كل لحظة في السلام فيها خير، وكل حركة في السلام فيها بركة، وكل لحظة من الحرب فهي إهلاك للحرث والنسل. لذلك وصتي لكل المواطنين وللسياسيين أن توقيعهم على السلام هو إنصياع للسلام وإنتصار للجميع ولشعبهم فاليحافظوا عليه .
гадание индийское http://www.indiyskiy-pasyans-online.ru .